الخرطوم – نبيل صالح
لم تتوقف آلة القتل منذ إندلاع ثورة ديسمبر المجيدة ، وبعد سقوط سلطة المؤتمرالوطني المحلول في ابريل 2019م ، سقط المئات ضحايا العنف في مجزرة فض الاعتصام الشهيرة ، واستمرت عمليات القتل بعد إجراءات الخامس والعشرون من اكتوبر 2021م ، وارتفعت حصيلة ضحايا العنف الى “125” محتج في غضون “16” شهراً آخرهم مقتل متظاهر في نهاية الشهر الماضي على يد أحد أفراد الشرطة ، تم حبسه الى حين تقديمه للمحاكمة ، فيما سقط الآلاف في دارفور والنيل الازرق وكردفان ، جراء أعمال العنف بين مجموعات سكانية ، ذهبت التكهنات في تورط عناصر من أنصار النظام البائد في إثارة الفتن وخطاب الكراهية لزعزعة الاستقرار في تلك المناطق .
والى جانب القتل، مارست السلطات الأمنية عمليات اعتقال واسعة الآلاف من المحتجين والقيادات الميدانية للجان المقاومة التي تقود التظاهرات المناهضة لقرارات اكتوبر الموصوفة بالانقلابية ، وفي الغضون ظلت المؤسسات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان تطالب الحكومة بالكف عن انتهاك حقوق الانسان سواء بالقتل أو تكبيل الحريات بالاعتقالات التعسفية ، وفي اجتماع مجلس حقوق الانسان بجنيف أمس حث المفوض السامي لحقوق الإنسان السلطات في السودان على إصدار تعليمات واضحة لقوات الأمن باحترام حقوق الإنسان والمعايير الدولية المتعلقة باستخدام القوة والأسلحة النارية، وشدد على حق الجميع في التجمع والتظاهر بشكل سلمي وعلى الالتزام الواقع على الدولة لضمان الاحترام الكامل لهذا الحق لجميع السودانيين ، وأشار المفوض السامي فولكر تورك إلى مقتل متظاهر في السابعة عشرة من عمره بعد أن أطلق شرطي النار عليه في منطقة شرق النيل في الخرطوم. وقال إن الإجراء الفوري الذي اتخذته السلطات للتحقيق في الحادثة وإلقاء القبض على الشرطي المسؤول، خطوة مهمة.
وأعرب قانونيون عن أسفهم على إستمرار إنتهاك حقوق الإنسان في السودان على مرأى ومسمع السلطات ، دون تدخل حاسم لوقف هذه العمليات ، خصوصاً في مناطق النزاع في غرب ووسط السودان في النيل الأزرق في الشهور الماضية ، ويعتقد هؤلاء أن المراهنة على المجتمع الدولى في وقف هذه الانتهاكات ضرب من الأمنيات والأحلام ، على خلفية موقفه مما حدث منذ اكتوبر 2021م ، وقال الاستاذ إسماعيل الفاضل المحامي والمختص في قضايا حقوق الإنسان أن السودان بعد ثورة ديسمبر المجيدة شهد أبشع جريمة في تاريخه أمام القيادة العامة في يونيو 2019م ، ولم يتحرك المجتمع إزائها الا ببيانات شجب واستنكار بالرغم من أن المسؤول عن هذه الجريمة معروف للجميع ، وأضاف اسماعيل في حديثه ل(النورس نيوز) ان المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية لم تحرك ساكناً في قضايا حقوق الإنسان في السودان ولهذا لا ينبغي أن نعول عليه في ردع مرتكبي هذه الانتهاكات .
ووفقا لمصادر طبية، يصل بذلك عدد الأشخاص الذين لقوا مصرعهم منذ بدء المظاهرات قبل 16 شهرا إلى 125، يمثل الأطفال تحت 18 عاما نحو 20% منهم. وقال المفوض السامي إن أكثر من “9” آلاف شخص أصيبوا بجراح، نجم عن الكثير منها آثار دائمة، بسبب الرصاص الحي والعيارات المطاطية وعبوات الغاز المسيل للدموع وغير ذلك من أسلحة أطلقتها قوات الأمن بشكل تعسفي.
وقال فولكر تورك إن الإفلات من العقاب ما زال يعد مسألة خطيرة، بيد أنه رحب بتحقيق بعض التقدم من قبل اللجنة القضائية التي شُكلت للتحقيق في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان وغير ذلك من إجراءات منذ الخامس والعشرين من أكتوبرالعام 2021. وأشار إلى تشكيل عدد كبير من اللجان القضائية الأخرى للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان.
وشدد على ضرورة إكمال عمل هذه اللجان والإعلان عن نتائجه. وقال إن التدابير الجادة للمساءلة والعدالة الانتقالية تعد أولوية لدى الضحايا، وشرطا مسبقا للاستقرار والتحول الديمقراطي.
وحول دارفور أشار المفوض السامي إلى آثار التأخر في تطبيق اتفاق جوبا للسلام والخطة الوطنية لحماية المدنيين. وقال إن ملايين النازحين ما زالوا بعيدين عن بيوتهم وأراضيهم منذ عشرين عاما، ولكنهم يتمسكون بالأمل في أنهم سيتمكنون من العودة بأمان يوما ما.
وقال إن التطبيق الكامل للاتفاق والخطة أمر مهم للغاية لأهل دارفور الذين يحتاجون إلى الأمن والالتزام السياسي بحل الأسباب الكامنة للصراع. وأكد المفوض السامي أن مكتبه مستعد لتعزيز دعمه بهذا الشأن، بما في ذلك للإصلاحات القانونية والمؤسسية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، وتطوير عملية عدالة انتقالية تضع الضحايا في الجوهر ، وقال تورك إن ذكريات الديكتاتورية في السودان، الممتدة لثلاثين عاما، ما زالت حية في أذهان الناس العازمين على عدم الرجوع إلى الماضي ، وأضاف أن الفترات الانتقالية ليست سهلة، ولكنها توفر فرصا هائلة لتحقيق التقدم في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والمدنية وأيضا في مجال التنمية المستدامة التي تعم بشكل منصف ، وشجع جميع الأطراف في السودان على تنحية المصالح الفردية والمتحيزة والعمل باتجاه مستقبل يحدده الصالح العام. وشدد على أن إعادة بناء الثقة بين السلطات والشعب السوداني، أمر حاسم لمستقبل السودان. وأكد أن وجود حكومة جديدة يقودها مدنيون سيحتاج إلى دعم دولي مستدام كي تتمكن من التعامل مع التحديات الهائلة التي تواجهها.
ومن جانبه رحب الاستاذ أيمن محمد المحامي ببيان تورك في إجتماع مجلس حقوق الإنسان في جنيف ، وقال أيمن ل(النورس نيوز) أن الحكومة الحالية لولا مثل هذه المواقف من مجلس حقوق الإنسان لارتكبت مجازر أشد بشاعة مما تحدث الآن ، مستشهداً بصمت الجهات الرسمية من عمليات القتل التي تطال المتظاهرين واعتقالهم على نحو تعسفي ، وأعرب أيمن عن أمله أن يتخذ مجلس حقوق الإنسان خطوات عملية لوقف انتهاك حقوق الإنسان في السودان ، خاصة أن الحكومة لم تعد مكترثة بما يحدث من مصادرة حياة الشعب السوداني سواء عن طريق القتل في التظاهرات أو عمليات النهب والسطو اليومي في الطرقات والشوارع على مرأى ومسمع الأجهزة النظامية .