آراء و مقالات

جعفر عباس يكتب: هدية عدلان لأهل السودان..

سيذكر التاريخ، وعلى مدى قرون مقبلة الأستاذ عدلان احمد عبد العزيز بكثير من الاعتزاز، بسبب ما قدمه له (للتاريخ) من خدمات جليلة، ولا أحسب ان هناك من ضارع او يضارع عدلان هذا في مجال توثيق وقائع تاريخية عالية الأهمية بمهنية ومسؤولية أخلاقية عالية، ثم جعلها مبذولة لمن يرغب في رصدها والاطلاع عليها.

منذ قرابة شهر وأنا ملطوع يوميا امام التلفزيون لنحو أربع ساعات متصلة، مما أثار شكوك زوجتي، التي تعلم انني عادة لا أطالع التلفزيون إلا لمتابعة جانب من نشرات الأخبار او بعض ما تبثه قنوات ناشونال جيوغرافيك وديسكفري، ذلك أنها اكتشفت انني أتابع قنوات يوتيوب على شاشة التلفزيون، ويوتيوب كما هو معلوم ملغوم فيه الكثير من مبطلات الوضوء، ولكنها اطمأنت لحسن سلوكي عندما رأت مرارا ان معظم الشخوص الذين يظهرون في المواد الفيلمية التي أتابعها كهول وجوههم تقطع الخميرة.

بمجهود فردي، قام عدلان باستنطاق صناع وفاعلين في أحداث جليلة شهدها السودان خلال نصف قرن مضى: انقلاب 25 مايو 1969 (نميري) وانقلاب 19 يوليو 1971 (هاشم العطا) وانقلاب 5 سبتمبر 1975 (حسن حسين) وانقلاب يوليو 1976 (الجبهة الوطنية/ محمد نور سعد)، وما تخلل كل ذلك من أعمال قتل ومحاكمات وإعدامات، ومحاكمة واعدام محمود محمد طه، وتهريب عبد الخالق محجوب سكرتير عام الحزب الشيوعي من معتقله في سلاح الذخيرة وإخفائه داخل القصر الجمهوري ونميري لا يدري بأمره، وغيرها من الوقائع التي ما زالت أصداؤها تتردد وتترك بصماتها في راهن الأوضاع.

تكمن القيمة العالية لمجموعة الأفلام الفيديوية التي أنتجها عدلان في أنها تتضمن شهادات من شاركوا في تلك الأحداث من عسكريين ومدنيين بعضهم نجا من الإعدام بأعجوبة ومعظمهم قضى في السجون دهورا، ومنهم من كان شاهدا على الوقائع والمحاكمات، ومنهم “فاعلون” نجوا من السجن والموت، وكانت النتيجة حصول عدلان على إفادات أضاءت مناطق مظلمة أو رمادية اختفت فيها بعض الحقائق بسبب ظروف وملابسات حتمّت ذلك، وتجلى الحس المهني الأخلاقي الرفيع لعدلان، في أنه ظل محايدا تماما وهو يحاور شهود تلك الوقائع، ويكتفي فقط بتسليم ضيوفه أطراف الخيوط، في عبارات شديدة القِصر ليقولوا ما عندهم في أريحية، بل حرص عدلان على عدم الظهور في أي مشهد وهو يدير تلك الحوارات
أقول مجددا إن عدلان أهدى للمكتبة السودانية كنزا ثمينا، فنحن قوم شفاهيون تخضع وقائع التاريخ عندنا للقال والقيل باللسان، ولا يميل حتى صناع الأحداث الجسام عندنا الى التوثيق، وإذا استثنينا د. منصور خالد فلا أحد منهم وثق لتجربته السياسية أو الحزبية، وإن أصدر بعضهم عشرات الكتب في مختلف الشؤون
شكرا عدلان من عموم أهل السودان
(ويا من تقرؤون لي، اكتبوا في يوتيوب “يوليويات” لتروا وتسمعوا وقائع من تاريخنا المعاصر بالعين والأذن)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *