الخرطوم – نبيل صالح
في كل فينة وأخرى تخرج أجسام سياسية ومدنية وعشائرية بشرق السودان بتصريحات تهدد فيها بالانفصال أو تقرير المصير اذا لم يتم حل مشكلة الشرق، الأمر الذي بات أقرب لابتزاز سياسي حسب المراقبين ، ودرجت هذه المجموعات اطلاق هذه التصريحات كلما اقتربت القوى السياسية من التوافق حول خارطة للخروج من الأزمة السياسية التي تعد “الشرق” أحد أركانها، بيد أن أغلب مطلقي هذه التصريحات سواء على المستوى الفردي أو الجماعي لا يمثلون كل مكونات الشرق ، بل بالكاد ينتمون لأقليات لا تشكل الأغلبية في الخارطة الإثنية في شرق السودان .
ويعتقد المحلل السياسي د.مصعب فضل المرجى أن كرت الانفصال أو تقرير المصير من تقليعات منسوبي النظام البائد الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على بقية المكونات السكانية في شرق السودان ، وأكد فضل المرجي في حديثه لـ “النورس نيوز” بأنه إذا تم الاقرار بتقرير المصير لشرق السودان لن يجد الباحثين عن الانفصال غايتهم ، مثله مثل مطالبات منسوبي النظام البائد بإنتخابات مبكرة ، كمحاولة لتضليل الشعب السوداني بأنهم الاغلبية التي يمكن أن يفوز في الانتخابات اذا أًقيمت ، ويمضي مصعب بقوله بأن كل ما يقال عن الانفصال او تقرير المصير ليس أكثر من إبتزاز .
وفي تصريح جديد هدد المجلس الاعلي لنظارات البجا والعموديات المستقلة وتنسيقيات شرق السودان عن عزمهم باعلان حق تقرير المصير يوم غد الاحد الموافق الاول من يناير تزامنا مع اعياد الاستقلال من منطقة جبل (مويتا) بولاية كسلا .
وقال الامين السياسي للمجلس اونور عيسي اوشيك في تصريح طبقاً لـصحيفة (الجريدة) ، قال إن هذا القرار مضمن ضمن موتمر سنكات الماضي وهو الاخير من ضمن 11 قرارا ، وأضاف يجيء هذا القرار بعد ان واجهت مقررات سنكات عدد من العقبات اوصدت الباب أمام تنفيذها من قبل المركز، وأشار لى ما اسماه بالتلاعب بقضية الاقليم الشرقي، وقال اوشيك: تفعيل هذا البند متاح وفق قانون حقوق الانسان.
وعلًق المحلل السياسي والكاتب الصحفي سعد محمد أحمد على التصريحات التي يطلقها بعض زعماء القبائل بقوله بأنها مجرد إبتزاز ولا رؤية سياسية لهؤلاء ، وقال سعد لـ “النورس نيوز” أن من إفرازات اتفاق جوبا تشرذم مجتمع شرق السودان الذي استغله بعض منسوبي النظام البائد لاثارة النعرة والمطالبة بفصله ، وأضاف ” اتفاق جوبا كان قاصمة ظهر الاستقرار السياسي والنسيج الاجتماعي في السودان وليس في الشرق وحده ، والمراقب لمجريات الأمور في السودان يكتشف أن النظام البائد يدير مؤامرة لشق الصفوف وشرذمة المجتمعات باعادة القبائلية والجهوية حتى في وسط وشمال السودان وهي من المناطق التي لم تكن تعير لمثل هذه الأمور أدنى إهتمام ولكن اليوم نجد أن بعض قادة النظام البائد يعقدون مؤتمرات وإجتماعات باسم القبيلة والمنطقة ليس لمصلحة مناطقهم بل لأجندة ضارة ، مشيراً بأن الأمر لا يعدو كونه أكثر من ضجيج براميل فارغة لا تمثل الأغلبية الساحقة ، ومضى سعد بقوله أن كل الأشخاص الذي ينصبون أنفسهم قادة لمجتمعات الشرق ينتمون سياسياً للمؤتمر الوطني المحلول ، وما يجري نوع من التكتيك السياسي لزعزعة الاستقرار السياسي ، موضحاً أن بعض القوى السياسية والمكون العسكري هم من يديرون هؤلاء من على البعد .
ووضع زعماء عشائر بشرق السودان السلطة المركزية أمام خيارين، تحقيق مطالبهم أو الانفصال عن البلاد، في ورشة لصياغة مطالبهم التي سيتم الدفع بها للسلطة والوسطاء، شارك فيها سفير الاتحاد الأفريقي، محمد بلعيش والسفير السعودي، علي بن حسن جعفر، ناظر عموم قبلية الهدندوة، محمد الأمين ترك، بالخرطوم .
وتعارض هذه المجموعة المنضوية في تحالف “الكتلة الديمقراطية” إلى جانب حركة تحرير وجيش السودان، بقيادة مني اركو مناوي، وحركة العدل والمساواة، برئاسة جبريل إبراهيم، “الاتفاق الإطاري” الموقع بين العسكريين وتحالف قوى الحرية والتغيير.
وتعهد “ترك” في الورشة بعدم إغلاق الموانئ وعزل الإقليم عن المركز مرة أخرى، في مقابل الوفاء بحقوق أهل الشرق كاملة، بيد أنه لوح إلى أن خيار الانفصال يظل قائما إذا بقيت الأوضاع كما هي عليه الآن ، ودعا الزعيم القبلي، القادة المتنفذين في السلطة والأطراف الأخرى بعدم التدخل السالب، وأن يوجهوا مساعيهم لتوحيد القوى والكيانات في شرق السودان تجاه قضيتهم.
وفي المقابل يرى موقعي مسار الشرق في اتفاق جوبا تلويح البعض بكرت الانفصال لا يعدو كونه أكثر من نشاط اسفيري لا وجود له في الواقع و رفض القيادي بالتوافق الوطني وكبير مفاوضي مسار شرق السودان عبد الوهاب جميل في تصريحات صحفية قرار مجلس البجا بإعلان الحكم الذاتي وقال: “إن قرار الانفصال مرفوض تماماً وليس من حق كتلة أو قبيلة معينة تقرير مصير شعب كامل”، ونوه جميل إلى أن الخطوة جاءت بسبب مماطلة الحكومة، وقال: “الحكومة هي من أوصلت الطرف إلى هذا القرار”، وأضاف: “في حالة تماطل الحكومة في الحل الجذري لقضية شرق السودان ستصل الأمور إلى أعلى من ذلك”.
وفي منتصف الشهر الماضي أعلنت اللجنة السياسية لمجلس نظارات البجا نفسها حكومة مؤقتة في شرق السودان، وذلك رفضا منها لما تصفه بمماطلة الخرطوم في تنفيذ مطالبها بتخصيص منبر لمناقشة قضايا الشرق بدل اتفاق جوبا للسلام.
وبررت اللجنة ذلك في بيان قالت فيه أنه “رفضا لمماطلة الخرطوم في تنفيذ مطالب شعبنا وإصرارها على إقصاء شعبنا، وعملا بالحق المكفول لكل شعوب العالم في تقرير المصير، فإن المجلس الأعلى للبجا-الأمانة السياسية، تعلن أن مجلس البجا هو السلطة السيادية المعترف بها لدى شعب الإقليم والمفوضة رسميا من هذا الشعب في عقد اجتماع مشهود في سنكات، ونعلن أن الهيئة العليا للمجلس هي البرلمان التشريعي العرفي للإقليم، وأن اللجنة السيادية لتقرير المصير بلجانها المتخصصة هي الحكومة الوزارية التنفيذية المؤقتة للإقليم، وأن الملكية العرفية للأرض هي أساس ملكية الأرض في الإقليم إلى حين قيام سلطة تداولية دائمة”.
وأضاف البيان أنه بناء على ما سبق، فإن اللجنة تعلن “عدم اعترافها بحكومة الخرطوم ولا بأي سلطة أو مؤسسة أو إدارة مركزية أخرى تضع يدها على مواردنا وثرواتنا وحرياتنا الطبيعية قبل التوصل إلى اتفاق بين سلطة الإقليم وحكومة السودان” وأكدت اللجنة “حق سلطة الإقليم المؤقتة في إقامة مؤسسات حكم ذاتي متعددة للحكم والإدارة وتصريف الأمور، وبناء قوات عسكرية نظامية للدفاع عن الشعب وعن الحقوق، وللقيام بالدور الأمني والشرطي بالإقليم”.
وقال أن “الأساس الذي نسير عليه هو حقوق شعبنا المنصوص عليها في قرارات مؤتمر سنكات المصيري للبجا 2020، القائمة على الحكم الذاتي على أساس الأرض والثقافة، تلك القرارات الحتمية التي لا نكوص عنها حتى إحقاقها أو الموت جهادا دونها، ومن مات مقاتلا لأجل حقه فقد مات في سبيل الحق”.