آراء و مقالات

جعفر عباس يكتب: اغتراب داخل الاغتراب..

ثم قال تلفزيون بي بي سي انه يريد توظيف صحفيين، وكنت وقتها رئيسا لقسمي العلاقات العامة والترجمة في شركة الاتصالات القطرية (كيوتل)، ولدي خبرة لا بأس بها في التحرير الصحفي حيث سبق لي العمل في صحيفة انجليزية وأخرى عربية في الامارات، كما أنني نلت تدريبا على مهارات العمل التلفزيوني في بريطانيا قبلها بسنوات، ولهذا قدمت طلبي ب”قلب جامد”، وعلى كل حال فإنني ومنى ما وجدت إعلانا لوظائف خالية أحسب انني قادر على المنافسة فيه إلا وقدمت أوراقي وجلست للاختبارات المطلوبة، حتى لو كانت الوظيفة التي انافس فيها أقل ميزات من الوظيفة التي كنت أشغلها وقتها، وذلك بمنطق “الوظائف مثل الدنيا ما مضمونة”
ونجحت في اختبار بي بي سي التحريري وتم استدعائي لإجراء انترفيو في البحرين، ولكنهم نبهوني الى انني لم احدد سرعتي في الطباعة في الطلب الذي تقدمت به فارسلت لهم رسالة بان سرعتي في الطباعة 25 في الدقيقة، بينما حقيقة الأمر هي انني لم امارس قبلها الطباعة قط على الكمبيوتر، رغم وجود كمبيوتر على مكتبي في كيوتل، فقد كنت أحسب ان التعامل بالكمبيوتر امر معقد لا يقدر عليه قرويون أمثالي، ولهذا ظل ذلك الكمبيوتر مجرد ديكور كما السكرتيرة التي أتوا بها لتنظم أحوالي وجدول أعمالي، وصارت تتضايق لأنني استقبل كل من يريد مقابلتي، ولهذا صارت وكلما اتصل بي شخص هاتفيا التقطت السماعة وقالت كذبا عني انني مشغول او في اجتماع، لإعطاء الانطباع بأنني مهم، فقطعت الوصلة الهاتفية بيني وبينها كي استقبل المكالمات دون الاستعانة بها، ثم أقنعتها بالانتقال الى إدارة أخرى لأنها لن تكسب معي أي مهارة وستجلس مجرد ديكور، ووجدت لها مديرا طيبا وبعد سنوات قليلة انتقلت الى عمل اداري نالت به ترقية، وفيما يتعلق بالطباعة فقد اشتريت كمبيوترا من العصر الحجري وجلست عليه امارس الطباعة حتى وصلت الى سرعة 25 كلمة في الدقيقة في غضون عشرة ايام
ذهبت الى انترفيو بي بي سي في البحرين وكانت اللجنة مكونة من مدير شؤون الموظفين في الهيئة واحد كبار المحررين وسامي حداد الذي كنت اعرفه من اعلان سوبر ريد لقتل الحشرات ومن نشرات اخبار إذاعة هنا لندن، وسار الانترفيو بسلاسة ولكنني لاحظت ان حداد يحاول إحراجي بأسئلة ملتوية و”ينط لي في حلقي” كلما بدأت الكلام، ثم سألني: لو كنت كبير المحررين وجاء خبر يقول ان نظام عمر البشير الديكتاتوري سوى وفعل هل ستسمح ببثه؟ فقلت لا، فقال: هل لأنه رئيس بلادك؟ فقلت له: لا بل لأن الخبر يخالف معايير بي بي سي، لأن فيه “رأي” عندما يصف الحكومة بالديكتاتورية وهي فعلا ديكتاتورية ولكن سياسة التحرير في وسائل الإعلام المهنية تمنع مثل تلك التوصيفات، فصاح ممثل هيئة التحرير: اكسلنت- ممتاز، و”انكتم” سامي حداد، ثم تزاملنا في قناة الجزيرة، وذكرته بذلك الموقف وقال لي إنني أحرجته يومذاك، ودارت الأيام وطلب مني حداد ان اساعده في إعداد أسئلة لمحاورة حسن الترابي فقمت بذلك، وذهب الرجل الى الخرطوم وحاور الترابي وفشل في الحصول منه على أي إجابة على سؤال طرحه، لأن الترابي كان يتمتع بمهارة اختطاف الحوار وقول ما يريده هو، ولما ألحّ حداد في الحصول على أجوبة قال له الترابي: طبعا انت نصراني ما تفهم في مثل “هذه الأمور”، وعاد حداد الى الدوحة وقفاه يقمر عيش كما يقول المصريون عن الشخص المكسوف وقال لي الترابي طلع أسخف منك في الانترفيو بتاع البحرين
المهم ان بي بي سي أبلغتني بقبولي للعمل لديها، ولكن ام الجعافر رأت ان تركي لقطر وذهابي الى بريطانيا دليل على انني غير عاقل لأن راتب بي بي سي كان اقل من راتبي في قطر وفوق ذلك كنت اتمتع في قطر بسكن مجاني وتذاكر سفر سنوية لي ولأفراد اسرتي، فأمضيت عدة أيام في إقناعها وقلت لها ان كنت تخشين مما يقال ان الليدي ديانا عينها زائغة وانها قد تشلبني فإنني أعاهدك على تطنيشها كما سبق لي تطنيش سعاد حسني ونبيلة عبيد، وان كل ما أريده هو ان اضع بي بي سي في سيرتي الذاتية بعد العمل لديها لسنتين كأقصى حد و”بعدها تشوفي التأثير السحري لبي بي سي”- وثبت حسن تقديري عندما صرت من الكادر المؤسس لقناة الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *