موسم العودة للجذور .. حش” التمر

الخرطوم : النورس نيوز

ما أن يهل شهر سبتمبر من كل عام إلا ويتهيأ الآلاف من داخل السودان وخارجه في هجرة موسمية نحو الشمال، فقد اقترن سبتمبر بموسم حصاد البلح والذي يسشهد حضور كل الأسر التي هاجرت من الشمال لجذورها، إذ لا يمثل الأمر حصاد محصول فقط إذ ارتبط الموسم بكثير من الظواهر المجتمعية المتمثلة في قيام الأفراح والزيجات، فضلاً عن ربط أبناء الحاضر والأطفال بجذورهم وزيارة أهلهم في القرى البعيدة.. موسم تتهيأ فيه “بيوت الطين القديمة” للاحتفاء بعودة سكان هجروها زمناً تحتفي بعودتهم ويحتفون بها كما يحتفى بالقادمين.

الهجرة نحو الشمال لا تكون قاصرة على أهل الشمال أصحاب أشجار النخيل الذين يعرفون بـ”السكاكة” فقط، إنما يكون موسماً لاستضافة كثير من أبناء السودان في المناطق المختلفة والذين يأتون للعمل خلال الموسم ويعرفون بـ”اللقاطة”. كما يكون هناك عاملون من درجة أرفع يعرفون بـ”الحشاش” وهؤلاء يكون الاتفاق معهم بواسطة “القفاز” الذي يقوم بتلقيح النخيل في موسم الطلع الذي يكون عادة ما بين شهري يناير وأبريل من كل عام، حيث يكون نصيب القفاز “سبيطة” من التمر الصغار و”سبيطتين” من التمر الطويل، بينما يكون نصيب العمال “اللقاطة” من التمر البركاوي.

وبحسب الحراك يوم حش التمر يبدأ في الصباح الباكر إذ يختار كل صاحب نخيل عدداً معقولاً من العمال وينتقلون سوية لموقع النخيل، وهناك يبدأ الحشاش في قطع “سبائط النخيل” ورميها على مشمع يمسك أطرافه عدد من العمال، ومن ثم يتم تجميع التمر وتعبئته في جوال ونقله للمنازل، وغالباً ما تكون هناك استراحة لتناول وجبة الإفطار الذي يتم إعداده في المنازل من “القراصة”، ومن ثم تناول الشاي واستئناف العمل حتى الساعة الرابعة على أن يعاود العمل صباح الغد.

“حش التمر” مناسبة تجمع الأهل ولذا فإن الموسم تصاحبه نواح اجتماعية خاصة في دعوات العشاء التي تتم من الأهل المستقرين في المنطقة لضيوفهم القادمين من خارج المنطقة، وعادة ما يكون العشاء من أنواع متعددة من الأطعمة، غير أن ما يميزه هو وجبة “الفطير باللبن”، فهو من الوجبات المحببة للضيوف القادمين من خارج المنطقة.

يستمر حصاد التمر أسبوعاً على الأكثر غير أن هناك أنواع من التمر ربما يتأخر حصادها مثل “القنديل” وبعض أنواع “الكُرُش”، على اعتبار أنها تحتاج لفترة أطول للنضوج وغالباً ما يتم حصادها نهاية الموسم وبعناية تامة، كونها من الأنواع التي يحتفظ بها المزارعون للاستهلاك الخاص لجودتها.

بمرور الزمن بدأت كثير من المظاهر المرتبطة بحصاد التمر في التلاشي من واقع أن كثيراً من أصحاب النخيل أصبحوا لا يسافرون لحصاده من واقع عدم الجدوى الاقتصادية، فقد تدنت أسعار التمر بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية، ربما عبر عنها الشاعر حاتم حسن الدابي بقوله في إحدى قصائده “بلد فيها السلع طارت.. عدا البركاوي والقنديل”. ففي افتتاح الموسم الحالي حدد سعر جوال البركاوي بمبلغ 15 ألف جنيه، رغم أن سعر جوال الخيش الفارغ يبلغ 2000 جنيه.

ويقول المزارع أحمد الحسن إبراهيم لـ(الحراك) إن زراعة التمر أصبحت غير مجدية لذا فقد فضل المزارعون في المنطقة الاتجاه لزراعة أشجار الفاكهة والموالح من مانجو وبرتقال وقريب فروت، مبيناً أن الجدوى الاقتصادية لزراعة النخيل تدنت لدرجة الصفر، أو لدرجة أن ما يصرفه المزارع على النخلة طوال العام من تكاليف تسميد وري ورعاية أكثر بكثير من ما يجنيه منها نهاية العام.

Exit mobile version