جعفر عباس يكتب :مترجما متعدد الولاءات
وهبطت في مطار الدوحة وأنا لا أعرف منين يودي على فين، أي لم أكن أعرف فيها أحدا، ولم يكن عندي فيها عرض عمل، وكل ما هناك هو ان عثمان حمور الذي كان مع عائلته في إجازة في السودان أعطاني مفاتيح بيته في الدوحة وبعض العناوين والأسماء، وفي آخر درجة من سلم الطائرة وجدت محمود عبد الهادي عبد الله ونحن في الحسبة أولاد عم وجيران حيطة بالحيطة في بدين، وكان كثير من العاملين في المطار من الشرطة السودانيين، وفور خروجي من المطار التف حولي عدد من السودانيين بعد أن أدركوا انني غريب ديار وغريب أهل ووجدت نفسي معزوم وجبة غداء دسمة، وبعد ان وضعت أمتعتي في بيت عثمان حمور في أول المساء ذهبوا بي لزيارة استاذي بروفسر محمد إبراهيم الشوش الذي كان وقتها رئيس تحرير مجلة الدوحة وعاصرته طالبا في جامعة الخرطوم، وما أن عرف انني عملت بالترجمة حتى عرض علي ملفا يضم مواضيع علمية وطلب مني ان اترجم منه ورقة واحدة ك”عينة” ليقرر بعدها ما إذا كانت الترجمة جيدة فأترجم الحزمة كلها، وذهبت الى بيت عثمان وجلست على الطاولة حتى قريب الفجر وترجمت الملف بالكامل وفي الصباح توجهت الى مبنى المجلة وسلمت الأوراق للشوش الذي بدا عليه الاستياء لأنني ترجمت جميع المواضيع دون ان يصدر منه حكم بصلاحية الترجمة، ثم شرع في القراءة وقال لي: انت من الآن مسؤول من الملف العلمي، وحولني الى قسم الحسابات حيث منحوني مبلغا مهولا فطفت في الدوحة الى أن عثرت على شخص مسافر الى السودان بعد أيام ليعطي ام الجعافر نسبتها المئوية بموجب اتفاق قسمة الثروة
بعدها وجدت نفسي أيضا مترجما بنصف دوام في جريدة الراية، ثم صارت سفارتا اليابان وكوريا الجنوبية تكلفاني بأعمال ترجمة، فصار العداد يدور بسرعة المروحة، وعندما قررت استقدام زوجتي وولدي كانت هناك أزمة سكن حادة في الدوحة، فقررت إدارة جريدة الراية منحي شقة ومؤثثة بالكامل في مجمع يتبع لها نظير عملي بالترجمة فيها، وكان أهم إنجاز لي في جريدة الراية تحرير باب الأبراج بعد أن قبلت المهمة على مضض بتكليف من الزميل الذي كان يتولاها وكان مضطرا الى السفر، فلأنني نشأت منذ صغري رافضا للخرافات والشعوذة فقد وجدتها فرصة للتنكيد على جماعة الأبراج وصارت تكهناتي: برج كذا وظيفتك في خطر لأن كوكب زحل سيخرج من مداره .. نكسة صحية مصحوبة بنكسة عاطفية لأن كوكب المشتري المفتري فعل كذا وكذا.. تتعرض لحادث سيارة يسبب لك كسورا طفيفة إذا غادرت البيت خلال الأيام الثلاثة المقبلة .. علاقة بالطرف الثاني ستنتهي بفراق او طلاق
وفي اليوم الرابع استدعاني مدير التحرير رجاء النقاش (وهو الناقد الأدبي الذي قدم الطيب صالح للقراء العرب) وقال لي: إيه اللي بتهببو دا في باب الأبراج، فقلت له ان محرري ذلك الباب في الشرق والغرب يفبركون كلاما بلا أساس وأنني تعمدت تطفيش القراء من هذا الباب وعلى الفور اتخذ النقاش قرارا بسد ذلك الباب الذي يأتي منه ريح كريه، وهكذا كنت سببا في تحرير الجريدة من الخرافة