آراء و مقالات

جعفر عباس يكتب: أرامكو وشتات الذكريات..

في أرامكو مارست الترجمة “أم دق”، أي تلك التي تتطلب جهدا ذهنيا وجسمانيا هائلا، وخرجت من التجربة وأنا أكثر ثقة بنفسي كمترجم، وخلال عملي هناك نشرت لي جريدة اليوم السعودية عشرات المقالات المختارة المترجمة من الصحف والمجلات البريطانية والأمريكية، ثم صرت اكتب مقالات حرة في مجلة القافلة التي تصدرها أرامكو، وقبل نحو عشر سنوات دعتني أرامكو لحفل تكريم لمن اسهموا بمقالاتهم في المجلة عبر السنين، ثم فوجئت بدعوة من الأمير محمد بن فهد آل سعود أمير المنطقة الشرقية الذي زرته في مكتبه في الدمام وقدم لي ساعة رولكس هدية
لشركة أرامكو طيرانها الخاص، وعلى متن طائراتها زرت مواقع خارج الظهران مثل بقيق والعضيلية والعثمانية، كما زرت راس تنورة وهي أكبر ميناء نفطي في العالم، ونزلت هناك ضيفا على زميل الدراسة وابن بدين إبراهيم عبد العزيز مكاوي، وكنت وإبراهيم نقود تلاميذ مدرسة البرقيق الوسطى في أداء الأناشيد الجماعية، ولو واصل أبو الجعافر الغناء لكان اليوم أعلى مرتبة من علي كبك، ولكن الحقيقة هي ان إبراهيم هذا كان فنانا شاملا، يجمع الى جمال الصوت البراعة في التشكيل والتصميم، وكان بيته في راس تنورة متحفا لتحف بديعة من صنع يده من الزجاجات الفارغة والعلب القديمة
كل شهرين ونصف الشهر كانت العطلة الأسبوعية في أرامكو ثلاثة أيام متتالية، وهكذا كنت اسافر الى السودان كل 75 يوما لأن زوجتي كانت حاملا بطفلنا الأول، ولهذا فقد كان معظم الراتب الذي اتقاضاه من أرامكو يروح في تذاكر السفر الكثيرة، وأذكر انني كنت اذهب الى الصرافة في الدمام واشتري عشرة جنيهات بنحو 100 ريال سعودي لتوفير بقشيش الحمالين في مطار الخرطوم وأجرة التاكسي الى البيت، وقد اختفى الجنيه السوداني من الصرافات تماما منذ أكثر من ثلاثين سنة، واذكر انني قدمت لحمال في مطار الخرطوم قبل سنوات نحو خمسين جنيها (وكان مبلغا معقولا وقتها) فألقى بها ارضا وهو يصيح: أدينا عملة ياخي!! وعندها قرأت الفاتحة على الجنيه وأدركت انه مات إثر علة أمهلته طويلا
كان بعض السودانيين العاملين في المنطقة الشرقية في السعودية يأتون الى الوطن عبر طائرة الخطوط الجوية السودانية انطلاقا من البحرين، وكانت الطائرة السودانية، قبل ان يصبح نميري امير المؤمنين، تقدم المشروبات الكحولية للركاب الراغبين، وفي ذات رحلة شرب احد المسافرين حتى المرحلة حسب المهر ديكا، وبعد دخول الأجواء السودانية أرغمت الطيارة الى الهبوط في مطار جدة بسبب عاصفة ترابية قوية، ونزل صاحبنا السكران مطار جدة وهو يحسب انه وصل الخرطوم، ورأى العقالات والذقون الطويلة وصاح: أنتو معانا هنا كمان .. العن **كم، فحمله رجال الشرطة الى السجن ثم 40 جلدة ثم تم إبعاده نهائيا من السعودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *