في ذكراه الثالثة .. صلاح بن البادية.. تنوع الإبداع والأثر الممتد

هي محطات للتوقف والذكرى لتجديد النهل من هذا المورد العذب ..
الفنان الشامل ..المبدع الأصيل ..الإنسان الأخلاق.. العرفاني المتبتل محبة وبهاء..
الشيخ صالح عبد القادر أبو قرون أو الأستاذ صلاح بن البادية..
متلازمة الإبداع والإيمان، التي تقودك بمنتهى اليقين والسعادة والطرب إلى جنة المعاني والسمو الروحي..حيث.. من بهاك (يوشوش العبير) مع دقة الطار.. و(كلمة) مع كلام المحبة.. وليس (الذهب وحده الذي يسيل)، بل تسيل معه دموع الحب والمشاهدة.. ولا تكون هناك (صدفة غريبة) في أن يكون (حب الأديم) مرتبطاً بأبو قرون و(الصوفية نادوهم ليّ)..
نقف دائماً، بل لا تبارح دواخلنا أدواره وأقداره وأثرها الكبير الممتد.. وتلك البصمة الإبداعية المتميزة في وجدان وموروث أهل السودان الفني والإبداعي، وامتداداته بكل سحنات إنسانه شرقاً وغرباً.. شمالاً وجنوباً، وفي الجوار الأفريقي والآسيوي وعالمياً.. في أبهى معاني تكاملية العطاء المنسجم وشموله، في تجربة موسيقية غنائية ومسرحية سينمائية، بجانب كتابته في التراث السوداني، والشعر بشقيه الغنائي والتراثي في المسادير والربعيات والدوبيت، وكذلك نظمه للوجدانيات العرفانية غرفاً من ينابيع تكوينه الصوفي المبارك.
لقد خلّف صلاح فراغاً عريضاً واسعاً في منابر الإبداع جميعها، فافتقدت الأجيال الجديدة تلك النكهة المعتقة والمفردة الصحوة، وذلك اللحن والأداء الذي ينسرب عميقاً في الروح، فيأخذك إلى تلك العوالم في الأبعاد العلا..
ما أحوجنا للقدوة والرمزية في حياتنا وإبرازها دائماً لتقتدي بها الأجيال، لتكون تجربة التزامه الأخلاقي في مجتمع أهل الإبداع الذي فيه كثير من التجارب الإنسانية المتداخلة، فاختط هو مساراً جديداً، واضعاً أساساً لمدرسة جديدة، زاوجت ما بين الإبداع والأخلاق والقيم والمبادئ النبيلة في أغنياته وأشعاره، التي دخلت البيوت وسكنت القلوب وطرب لها الكل، فهو مشروع يمثل بحراً زاخراً من العطاء الإبداعي المتنوع والمدهش، وأثراً ممتداً بطعم الذوق العالي ونكهة التجويد وجمال الروح.
هذا الأثر الذي نعني، ليس وقفاً على القطر السوداني الذي نعرف من منابع النيل جنوباً، حيث له في قلوب أهل الجنوب محبة تؤكد وحدة الوجدان، ليتدفق عطاءً مع النيل شمالاً حتى مصبه في مصر برباطات الفنون والمشاريع المشتركة التي رسخها عبر عديد النشاطات، والرباطات من النوبة حتى الإسكندرية، وله تقدير لأساطين الفن المصري رواداً ومعاصرين، وتفاعل معهم وصالاً متنوعاً.. ويمتد هذا الأثر إلى حزام السودان الكبير من أعالي القرن الأفريقي حتى الساحل الأفريقي الغربي وتخوم المغرب العربي، لينفذ عبر البحر الأحمر إلى اليمن السعيد شماله وجنوبه.
أحباب بن البادية.. تظل ذكراه على تعاقب الجديدين حية في قلوب الخلّص من أصدقائه والزملاء ومريديه وعارفي فضله.. وتعزّ علينا هذه المناسبة وبلادنا في تحديات جسام أن تمر دون إشارة وتذكرة، وما نسهم به من سطور وأوراق وتذكارات ما هو إلا غيض من فيض بحره الزخار من الابداع والمواهب والفنون والمعارف.

خديجة عائد : السوداني الدولية

الخرطوم : النورس نيوز

Exit mobile version