مرض غريب ونادر لا يعرفه الكثيرون .. (عظام من زجاج)
حكاية الطفلة الزجاجية فاطمة
المرض وراثي يسببه نقص بروتين الكولاجين
تقوس وكسر العظام.. قصر القامة.. زُرقة العينين.. من أعراض المرض
وفاة طفل مصاب لسقوطه من السرير وتكسر عظامه
مصابة تؤسس جمعية للمرضى بالخرطوم تضم (140) مصاباً
**اثناء عملي الصحفي الميداني بإحدى مؤسسات الدولة لفتت نظري سيدتان تريدان الدخول لنفس المسؤول الذي أقصده وأثناء انتظارنا وفي خضم الحديث الجماعي الذي تبادلناه سويا علمت ان واحدة منهن تعاني من مرض (العظم الزجاجي) وتنتمي لجميعة ترعى مرضىاه والأخرى كان بصحبتها ابنها الطفل وهو يعاني من نفس المرض علمت منهما انهما تطلبان المساعدة لعلاج الطفل ..لكن المدهش أن جميع الحاضرين تلك اللحظة وكانوا رجالاً ونساءً أجمعوا لي أنهم لم يسمعوا من قبل بهذا المرض.. فما هي طبيعة هذا الداء الغريب والنادر؟.. وكيف يصاب الإنسان به؟.. وما هي أعراضه وآثاره الجانبية.. وهل هناك إمكانية لعلاجه والشفاء منه؟.. وماذا يقول المصابون عنه؟.. (الحراك) تجيب على هذه الأسئلة والتساؤلات وتسلط الضوء على هذا المرض الغريب والنادر عبر هذا التحقيق**
الأسباب والأعراض
مرض (العظم الزجاجي) له عدة مسميات منها (متلازمة لوبشتاين)، وتعني (تخلق أو تكون العظم الناقص)، وهو مرض يولد به الطفل ويتسبب في تكرار كسور العظام بسبب أو بدون سبب ويختصر بـ(OI).. وتتراوح شدة المرض من الخفيفة إلى الشديدة حسب النوع.
وأسبابه تكون نتيجة طفرات في الجينات المسؤولة عن تصنيع (الكولاجين)، وهو بروتين مهم تحتاجه العظام لتنمو بهيئتها الطبيعية وببنية قوية، وإذا لم تحصل العظام على كفايتها من الكولاجين، قد تنمو ضعيفة وتصبح أكثر عرضة للكسور..أما أعراضه فهي تبعا لحدة أعراضه، ويصنف مرض العظم الزجاجي لعدة أنواع، وحتى اللحظة تم توثيق قرابة الــ(19) نوعا مختلفا للمرض لكل منها أعراض مميزة لكن قد تشترك مع بعضها في بعض الأعراض، منها إصابة العظام بكسور متكررة، وحدوث تشوهات في العظام، مثل:الجنف (Scoliosis)، وتقوس الأرجل (Bowlegs)، وقصر القامة، و ارتخاء المفاصل، وضعف العضلات، و صبغ بياض العينين باللون الأزرق أو البنفسجي أو الرمادي، تقوس الساقين والذراعين، وجه مثلث الشكل، الميل إلى إنحناء العمود الفقري، فقدان حاسة السمع وعادة تحدث في سن العشرين أو الثلاثين، أسنان هشة وقابلة للكسر وأحيانا تكون متغيرة اللون، سكتة قلبية، مشاكل الحبل الشوكي، مشاكل في صمامات القلب والأوعية الدموية، تشوه عظام الجمجمة.
مرض وراثي
كشف أستاذ واستشاري الغدد الصماء والسكري بكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة البروفيسور (عبدالمعين الآغا): أن “مرض (العظم الزجاجي) وراثي، ويعتبر الأكثر شيوعاً بين أسباب هشاشة العظام المختلفة لدى الأطفال، وتختلف أعراضه في حدّتها، فمنها الأنواع الحادّة التي تظهر في الفترة المحيطة بالولادة، والأنواع الخفيفة التي تظهر علاماتها في الشخص البالغ.. وبين ان الضعف في تكوين العظام يحدث خللا في تصنيع النوع الأول من الكولاجين، وتتراوح نسبة الإصابة به (20 ـ 30) ألف حالة في جميع أنحاء العالم لكل حالة ولادة.. ويتصف بكثرة الكسور الناتجة عن صدمات خفيفة، وليونة في حركة المفاصل، وسهولة الإصابة بالكدمات، والقدم المسطحة، وزرقة بياض العين، وضعف السمع، وقصر القامة، ومشكلات في نموء و صلابة الأسنان”.
واوضح البرفيسور (الآغا) ان أنواع مرض العظم الزجاجي سبعة:
فالنوع الأول: (الخفيف) وهو الأكثر شيوعا ويتعرض المصاب للكسور المتكررة في مرحلة الطفولة مع انخفاض نسبة حدوثها في مرحلة المراهقة، وازرقاق بياض العين، وشفاء الكسور دون بقاء اي تشوهات عظمية مع وجود تشوه بالأسنان.
والنوع الثاني: (الحاد) ويشمل ازرقاق بياض العين بسبب مرض العظم الزجاجي مع وجود كسور متعددة تحدث للجنين داخل الرحم اوعند الولادة وغالبا ترتبط أعراضه مع الضائقة التنفسية الناجمة عن تشوه الصدر، وهؤلاء المواليد غالبا لا يبقون على قيد الحياة لفترة طويلة بعد الولادة.
النوع الثالث: وهو نوع حاد آخر مع حدوث كسور متعددة عند الولادة او خلال فترات الحياة المبكرة ومثل هذه الكسور غالبا تشفى وتصاحبها تشوهات عظمية، والأطفال الذين يعانون من هذا النوع يصبحون غير قادرين على المشي اذا لم يتم العلاج بالسرعة المطلوبة.
أما النوع الرابع: فهو نوع متوسط الحدة بين النوعين الأول والثالث مع وجود الكسور بصورة متكررة ومتغيرة، إضافة إلى إمكانية تشوه العظام وقصر القامة، ويصبح لون بياض قزحية العين طبيعية في هذا النوع.
والنوع الخامس: يظهر في كثير من الأحيان في الأشعة السينية، (تكلس) الغشاء العظمي.
والنوع السادس: تظهر فيه تشوهات عظمية مميزة في الأشعة السينية.
والنوع السابع تظهر فيه التشوهات العظمية والإعاقة الجسدية المصحابتين لمرض العظم الزجاجي، وتظهر سمات سريرية مثل: قصر الجزء العلوي من الذراع وعظمة الفخذ، وهذا النوع ينتج عن صفة وراثية متنحية.
جمعية المرضى
الجمعيه السودانية لرعاية مرضى العظم الزجاجي هي جمعية خيرية ترعى الأطفال المصابين بهذا المرض وتزيل العقبات في تلقي الخدمات الصحية والتثقيف والتعليم.. تم تأسيسها في اليوم الخامس من شهر فبراير للعام ٢٠٢٠م، عدد المرضى المسجلين في الجمعية (140) مريضا من مختلف الولايات ولكن يوجد عدد كبير من ولاية الجزيرة، توفي منهم (10) اشخاص، (8) منهم بسبب التهاب حاد، وحالة منهم توفيت بسبب سقوط من السرير، وحالة وفاة لا يعرف سببها.
(الحراك) إلتقت بمؤسسة الجمعية (شذى سيد أحمد حاج الحسن)، وسألتها عن دوافعها لتكوين الجمعية، فقالت:
“اول دافع لقيام الجمعية انني مريضة بمرض (العظم الزجاجي) وعانيت كثيرا منه وتعرضت لأخطاء طبية كثيرة بالسودان فسافرت إلى المانيا ووجدت مستشفى في برلين اسمها (هليوس) بها قسم خاص لمرضى العظم الزجاجي وهناك عرفت بان هذا المرض يحتاج الى رعاية صحية متكاملة تمكن المريض بان يعيش حياته بصورة طبيعية ويمكن التعامل معه كبقية الأمراض والإعاقات الأخرى وتمكن المريض من ممارسة حياته بصورة شبه طبيعية.. وفي المانيا شاهدت المرضى يمارسون حياتهم بصورة طبيعية واعتبرت ما حدث لي لحكمة وان ما تعلمته أمانة لابد من توصيلها لجميع مرضى العظم الزجاجي بالسودان وكان ذلك هو الدافع الحقيقي لإنشاء الجمعية لمساندة هؤلاء المرضى.
كما أنني وجدت ان هذا المرض مهمش في المجتمع السوداني من جميع النواحي الصحية والتعليمية والثقافية وعدم ثقافة المجتمع وجهله بالمرض وكيفية التعامل معه.. ولذلك قررت تعريف المجتمع وتوعيته بالمرض وكيفية التعامل مع المصابين به من حيث قدراتهم واحتياجاتهم..وتعزيز الثقة بالنفس لدى المرضى عبر تمكينهم من المشاركة الفاعلة في المجتمع.. وتقديم الإرشادات والاستشارات المناسبة لأسر المرضى ليتمكنوا من التعامل الأمثل مع الحالة..وإعداد وتقديم برامج التدريب والتأهيل المناسبة للمرضى وأسرهم والعاملين معهم..والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لاستفادة هذه الفئة من مختلف الخدمات المقدمة في المجتمع..ودعم الأبحاث والدراسات المتعلقة بالمرض.. والسعي لتوفير الرعاية الصحية واختيار ما يناسب كل شخص منها بحسب حالته، مع السعي لتوفيرها بأسعار رمزية، أو مجاناً..وإتاحة المزيد من الفرص أمام هذه الفئة لممارسة مختلف الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية..والسعي لتوفير التعليم وتوظيفهم واختيار ما يناسب كل شخص منهم بحسب حالته..واستقطاب الخدمات التطوعية من أبناء وبنات المجتمع الراغبين في مساعدة هذه الفئة..بجانب تمثيل المرضى في مختلف المناسبات والفعاليات التي تعنى بذوي الإعاقة محلياً وعربياً وعالمياً.
الطفلة الزجاجية
(سماح) أم الطفلة (فاطمة) ذات الأربعة أعوام والمصابة بالمرض سردت لـ(الحراك) حكاية اصابة طفلتها بالمرض قائلة:”فطومة ظهر عليها مرض العظم الزجاجي منذ ان كانت جنينا في الشهر الرابع لكن الطبيب لم يكن يعلم نوع الاصابة، وعند الولادة تعرضت لكسور، وهؤلاء المرضى يحتاجون لعدة عمليات في العظام من خلال تركيب مسامير ومساطر لهم يتم تغييرها كل سنتين مع نمو العظم.. والمرض قديم ويسمى احيانا مرض ( العظم الناقص) لكن العلاجات مستحدثة وهنالك أطباء قالوا انهم اول مرة يسمعون بالمرض، وان المرض ليس مرض (هشاشة العظام) كما يعتقد البعض، واصحاب المرض في بداياتهم تكون عظامهم مقوسة ولا يعانون من اي صعوبات ذهنية،وانهم يحتاجون بصفة دائمة لفيتامين ( دال) والحقن الخاصة بهم وهي: (الاوميقا ثري)”.
مأساة ومعاناة
وعن مأساة ومعاناة طفلتها قالت والدتها (سماح): “عندما كانت (فاطمة) في سن الستة الشهور تعرضت للكسور تسع مرات فقرر لها أحد الاختصاصيين عملية جراحية وبفضل الله تعرفت على الدكتورة (شذى) التي وضحت لي ان العمليات لأصحاب العظم الزجاجي في سن أقل من عمر المشي فيه خطورة لهم لان العظم يكون تكوينه ناقصاً، وان فاطمة لها تأمين صحي ولكن كل الادوية والفحوصات خارج التأمين الصحي والإمدادات الطبية لاتعطي الجرعة المحددة لهم إلا بتاريخ محدد حتى إذا تم نفاد الكمية التي عند المريض، والجرعة من المفترض ان يتم أخذها كل ثلاثة شهور وان مرضى العظم الزجاجي في حاجة إلى تغذية خاصة، ومشكور البروفيسور (محمد أحمد عبدالله) اختصاصي التغذية بمستشفى جعفر بن عوف للأطفال بالخرطوم وفر لنا سريراً بأحد عنابر المستشفى لأخذ الجرعات، وعند حظر الكورونا تم تحويلنا لمستشفى سوبا لأخذ الجرعة التي من المفترض ان يتم أخذها كل ثلاثة شهور”.
حالة احباط
و ذكرت سماح ان الأطباء دائما يحبطوننا فهنالك اختصاصي عظام كبير ـ فضلت عدم ذكر اسمه ـ قال لها:(بتك ما بتتعالج ختيها تحت المراقبة وقلبيها في السرير عشان ماتجيها تقرحات)!!.. واضافت: “(فاطمة) وصلت سن الروضة ولكن لم يتم قبولها بحجة انها تحتاج لرعاية،ولذلك هذه الشريحة المرضية تحتاج لجمعية تسعى لتوفير مقر خاص لهم خصوصا ان المرض يكون ملازما للشخص طوال حياته ، ولكن اذا تناول التغذية الكافية فإنها تخفف حدة المرض و يكون النمو عادياً، ولكن اذا لم يأخذ المريض العلاج الكافي يمكن أن يؤدي ذلك إلى فقدان السمع والبصر!
*المحررة
مرضى العظم الزجاجي خاصة الأطفال في مرحلة النمو يعانون معاناة قاسية عند عمليات استبدال المسامير التي يفترض اجراؤها كل سنتين لتقويم العظام المقوسة مع نمو العظم بالنسبة للأطفال، والعملية في المستشفى الخاص قبل سنتين كانت تكلفتها حوالي (مليون) جنيه، وحاليا تصل تكلفتها في المستشفى الحكومي حوالي (950) ألف جنيه..كما أن المرضى يحتاجون لحقن دورية بالدرب لا تعطى إلا داخل المستشفى تحت إشراف طبيب، كما علمت فإن وزارة الصحة بدأت توفرها ـ مشكورة ـ بالمجان لهم..
ومن ضمن المشاكل التي تواجه مرضى (العظم الزجاجي) جهل بعض الكوادر الطبية بالطريقة المُثلى لمعاملة المصابين اثناء العلاجات،فمنذ شهر بإحدى المستشفيات الحكومية بالخرطوم وقبل بدء اجراء العملية الجراحية لتركيب مسامير لطفلة مصابة بـ(العظم الزجاجي) تدعى (خنساء) من ولاية الجزيرة، تسبب طاقم التخدير في كسر كل أسنانها العليا والسفلى عند ادخاله أنبوب التنفس الى فمها بطريقة غير صحيحة، وذلك لجهلهم أن أسنان هذه الشريحة من المرضى هشة قابلة للكسر بسهولة كعظامهم، لدرجة أن الطفلة دخلت في غيبوبة لساعات!!
ويفترض اجراء تحليل للكالسيوم وفيتامين (دال) للمريض كل (3) شهور، خاصة الأطفال،لكن المستشفى الحكومي الخاص بالأطفال بالخرطوم يرفض إجراء الفحص لهم، بل يسألون أهل الطفل عن الطبيب الذي شخّص المرض، وكأنهم يستنكرون اصابة الطفل بالمرض، او أنهم يجهلون هوية مرض (العظم الزجاجي)، علما أن التحاليل في مستشفى الأطفال الحكومي تدخل في نطاق التأمين الصحي، بينما تبلغ تكلفتها في المعامل الخاصة قبل شهر مبلغ (6) آلاف جنيه، وبالطبع هذه التكلفة الباهظة مرهقة مادياً لمعظم أسر المرضى، ولذلك يتجاهلون الفحص ما يفاقم الحالة المرضية لأطفالهم.
أخيراً هناك اشكالية واجهتنا عند تجميع مواد هذا التحقيق وهي رفض معظم اختصاصيي العظام وعظام الأطفال الذين التقينا بهم للحديث او الإدلاء بمعلومات كافية عنه،فهل مرض (العظم الزجاجي) سر من أسرار الدولة؟ او سر عسكري ممنوع البوح عنه؟!..عموما مرضى (العظم الزجاجي) يعانون من مرضهم الغريب والنادر هذا ويحتاجون لمساعدة الدولة والخيرين وأصحاب القلوب الرحيمة للوقوف معهم ومساندة عائلاتهم، ونعرف أن بعضها باع أثاثات المنزل لمواجهة تكاليف المرض، وتوفير الغذاء الخاص غالي الثمن الذي يفترض أن يتناوله المرضى، علما أن عدم التغذية الجيدة والمتكاملة للأطفال المرضى قد تتسبب في فقدانهم لحاستي البصر والسمع.
و ايضاً نشير إلى أن الطفلة فاطمة ليست الوحيدة المصابة بمرض (العظم الزجاجي) بل هناك المئات من الأطفال يعانون من ويلات وتبعات هذا المرض.
الخرطوم : النورس نيوز