حيدر المكاشفي يكتب : لكل حزبه والنقابة للجميع..
ليس هناك مشكلة كما يتوجس البعض في وجود أحزاب في النقابات، طالما ان النظام الاساسي للنقابة ينص على الالتزام بديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، فالقاعدة النقابية الذهبية المعروفة والمتوارثة تقول (لكل حزبه والنقابة للجميع)، فالنقابة تمثل جبهة واسعة تدافع عن مصالح العاملين المنتسبين اليها، غض النظر عن منطلقاتهم الفكرية أو السياسية أو الدينية، وهي ليست منبرا لأي حزب أو اية جهة سوى قاعدة العضوية من المنضوين تحتها، فهي مستقلة تماما عن السلطة وعن الاحزاب حاكمة كانت أو معارضة، وتتخذ النقابة قراراتها بأغلبية عضويتها، وتمارس الديمقراطية داخلها باشراك الجمعية العمومية في اتخاذ اية قرارات كبيرة، على ان تلتزم الاقلية برأي الاغلبية، ثم ان تاريخ الحركة النقابية السودانية منذ تأسيسها عام 1946 في (هيئة شؤون العمال) يثبت ان قادة الحركة النقابية كانوا يمثلون كل الوان الطيف السياسي (شيوعيون، اتحاديون، حزب أمة، الخ)، وكانت للحركة النقابية السودانية نضالات مشهودة في انتزاع ديمقراطية واستقلالية وحرية العمل النقابي، وكانت سابقة حتى للمواثيق الدولية التى اتت لاحقا واكدت علي الحريات النقابية وعدم تدخل الدولة فيها وحق التنظيم والحماية وتكوين النقابات والاتحادات، والمفاوضات الجماعية، والحريات والحقوق النقابية ،وحق الاضراب، الخ..
كل هذه المعاني والقيم النقابية التي ذكرناها عاليه، لم تكن غائبة عن الجمعية العمومية للصحافيين السودانيين التي انعقدت السبت الماضي، بل كانت حاضرة بقوة، فكل المواثيق المؤسسة للنقابة التي طرحتها اللجنة التمهيدية للجمعية العمومية (النظام الاساسي وميثاق الشرف الصحفي) كانت مجرد مقترحات لمشروعات، ترك الحكم الفصل فيها للقاعدة الصحفية، وبالفعل دارت مناقشات وجدالات حامية انتهت في المحصلة لاجازة هذه المواثيق وتكوين لجنة انتخابات تفضي الى اجراء اقتراع حر ونزيه وشفاف لاختيار النقيب واللجنة التنفيذية ومجلس النقابة، والى هذا الحد لم يطرأ أي اشكال موضوعي ومنطقي يمكن ان يتسبب في الاختلاف والانشقاق، اللهم الا ان تكون هناك بعض الدوافع والنزعات الشخصية والذاتية، في الوقت الذي لم تعد فيه مهنة الصحافة تحتمل اية خلافات غير ضرورية نظرا للأوضاع البائسة التي تعيشها والتي تهدد اصل وجودها، وكان المأمول ان تلتئم صفوف الصحافيين وتتوحد جهودهم من اجل تأسيس النقابة أولا كهدف استراتيجي، ثم من بعد ذلك يمكن ان يختلفوا حول من هم الاجدر بقيادتها وهذا ما تحسمه الانتخابات الحرة والنزيهة، وهذا ما يفرض على الجميع التحلي بروح المسؤولية والحرص على قيام النقابة بنبذ الخلافات غير الموضوعية، فواقع الحال المزري الذي عليه اليوم حال مهنة الصحافة وأوضاع الصحافيين، ينبغي ان يجعلهم الاحرص على قيام النقابة التي تتولى الدفاع عن مصالحهم المادية والمعنوية، وتعمل على توفير الأجر الذي يكفل ظروف معيشية مناسبة لأعضائها، وتحسين بيئة وشروط العمل، وبكلمة واحدة اعادة مهنة الصحافة الى وضعها اللائق كسلطة رابعة وللصحافيين حقوقهم المضاعة ومكانتهم التي يستحقونها، والمؤكد أن الصحافيين يتطلعون لأن تتجاوز بهم نقابتهم المنتظرة الأوضاع البائسة التي يعيشونها وهي أوضاع معلومة لديهم، ولذلك يتوجب عليهم ان يكونوا أكثر الناس معرفة بضرورة عودة النقابة للدفاع عنهم..